( برنامج آيه ) تفسير الايه رقم 3 ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) ) من البقرة للشعراوى رحمه الله عليه ( برنامج آيه ) تفسير الايه رقم 3 ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) ) من البقرة للشعراوى رحمه الله عليه
close


 ( برنامج آيه ) تفسير الايه رقم 3 ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) )  من البقرة  للشعراوى رحمه الله عليه 

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)


بعد أن بين الله سبحانه وتعالى لنا أن هذا الكتاب وهو القرآن الكريم { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } . . أي أن فيه المنهج والطريق لكل من يريد أن يجعل بينه وبين غضب الله وقاية . . أراد أن يعرفنا صفات هؤلاء المتقين ومن هم . . وأول صفة هي قوله تعالى : { الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب } . .
ما هو الغيب الذي جعله الله أول مرتبة في الهدى . . وفي الوقاية من النار ومن غضب الله؟ . .
الغيب هو كل ما غاب عن مدركات الحس . فالأشياء المحسة التي نراها ونلمسها لا يختلف فيها أحد . . ولذلك يقال ليس مع العين أين . . لأن ما تراه لا تريد عليه دليلا . . ولكن الغيب لا تدركه الحواس . . إنما يدرك بغيرها . .
ومن الدلالة على دقة التعريف أنهم قالوا أن هناك خمس حواس ظاهرة هي : السمع والبصر والشم والذوق واللمس . . ولكن هناك أشياء تدرك بغير هذه الحواس . .
لنفرض أن أمامنا حقيبتين . . الشكل نفسه والحجم نفسه . هل تستطيع بحواسك الظاهرة أن تدرك أيهما أثقل من الأخرى؟ . هل تستطيع الحواس الخمس أن تقول لك أي الحقيبتين أثقل؟ . . لا . . لابد أن تحمل واحدة منهما ثم تحمل الأخرى لتعرف أيهما أثقل . .
بأي شيء أدركت هذا الثقل؟ . . بحاسة العضل . . لأن عضلاتك أُجهدت عندما حملت احدى الحقيبتين ، ولم تجهد عندما حملت الثانية . . فعرفت بالدقة أيهما أثقل . . لا تقل باللمس؛ لأنك لو لمست احداهما ثم لمست الأخرى لا تعرف أيهما أثقل . . إذن فهناك حاسة العضل التي تقيس بها ثقل الأشياء . .
ولنفرض أنك دخلت محلا لبيع القماش ، وأمامك نوعان من قماش واحد . . ولكن أحدهما أرق من الآخر . . بمجرد أن تضع القماشين بين أنامِلك تدرك أن أحدهما رقيق والآخر أكثر سمكا . . بأي حاسة أدركت هذا؟ ليس بحاسة اللمس ولكن بحاسة البينة وحكمها لا يخطئ . .
وعندما تشعر بالجوع . . بأي حاسة أدركت أنك جوعان؟ . . ليس بالحواس الظاهرة . . وكذلك عندما تظمأ . . ما هي الحاسة التي أدركت بها أنك محتاج الى الماء . . وعندما تكون نائما . . أي حاسة تلك التي توقظك من النوم . . لا أحد يعرف . .
اذن هناك ملكات في النفس وهي الحواس الظاهرة . . وهناك ادراكات في النفس . . وهي حواس لا يعلمها إلا خالقها . . لذلك عندما يأتي العلماء ليضعوا تعريفا للنفس البشرية نقول لهم : ماذا تعرفون عن هذه النفس؟! . . انكم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا . . ولكن هناك أشياء داخل النفس لا تعرفونها . . هناك ادراكات لا يعلم عنها الانسان شيئا ، وهي ادراكات كثيرة ومتعددة .
(1/50)

. لذلك يخطئ من يقول إن ما لا يدرك بالحواس البشرية الظاهرة هو غيب . . لأن هناك ملكات وادراكات متعددة تعمل بغير علم منا .
لو أعطى لطالب تمرين هندسي فحله وأتى بالجواب . . هل نقول أنه عَلِمَ غيبا؟ . . لأن حل التمرين كان غيبا عنه ثم وصل اليه . . لا . . لأن هناك مقدمات وقوانين أوصلته الى هذا الحل . . والغيب بلا مقدمات ولا قوانين تؤدي اليه ، وهل عندما تعلن الأرصاد الجوية أن غدا يوم مطير شديد الرياح . . أتكون قد عَلِمَتْ غيبا؟ . . لا . . لأنها أخذت المقدمات ووصلت بها الى نتائج وهذا ليس غيباً . .
واذا جاء أحد من الدجالين وقال لك ان ما سرق منك عند فلان . . أيكون قد علم الغيب؟ . . لا . . لأنه يشترط في الغيب ألا يكون معلوما لمثلك . . وما سرق منك معلوم لمثلك . . فالسارق والذي بيعت له المسروقات يعرفان من الذي سرق ، وما الذي حدث . . والشرطة تستطيع بالمقدمات والبصمات والبحث أن تصل الى السارق ومن اشترى المسروقات . . وإذا جاءك دجال من الذين يسخرون الجن . . والمعروف أن الجن مستورعنا يمتاز بخفة الحركة وسرعتها . . والله سبحانه وتعالى يقول عن الشيطان : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } [ الأعراف : 27 ] فقد يكون هذا المستعان به من الجن قد رأى شيئا . . أو انتقل من مكان إلى آخر . . فيعرف شيئا لا تعرفه أنت . . هذا لا يكون غيباً لأنك جهلته ، ولكن غيرك يعلمه بقوانينه التي خلقها الله له . . والعلماء الذين يكتشفون أسرار الكون . . أيقال إنهم أطلعوا على الغيب؟ . . لا . . لأن هؤلاء العلماء اكتشفوا موجوداً له مقدمات فوصلوا الى هذه النتائج فهو ليس غيبا .
ولكن ما هو الغيب؟ . .
هو الشيء الذي ليس له مقدمات ولا يمكن أن يصل اليه علم خَلْقٍ من خلق الله حتى الملائكة . . واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى حينما عَلَّمَ آدم الأسماء كلها وعرضهم على الملائكة قال جل جلاله : { وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأسمآء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤلاء إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ العليم الحكيم * قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } [ البقرة : 31 - 33 ] والجن أيضا لا يعلم الغيب . . ولذلك عندما مات سليمان عليه السلام . . وكان الله سبحانه وتعالى قد سَخَّرَ له الجن لم تعلم الجن بموته إلا عندما أكلت دابة الأرض عصاه . . واقرأ قوله تبارك وتعالى : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجن أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الغيب مَا لَبِثُواْ فِي العذاب المهين }
(1/51)

[ سبأ : 14 ] إذن فالغيب هو ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى . . واقرأ قول الحق جل جلاله : { عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } [ الجن : 26 - 27 ] وهكذا فإن الرسل لا يعلمون الغيب . . ولكن الله سبحانه وتعالى يعلمهم بما يشاء من الغيب ويكون هذا معجزة لهم ولمن اتبعوهم .
وقمة الغيب هي الايمان بالله سبحانه وتعالى . . والايمان بملائكته وكتبه ورسله والايمان باليوم الآخر . . كل هذه أمور غيبية ، وحينما يخبرنا الله تبارك وتعالى عن ملائكته ونحن لا نراهم . . نقول مادام الله قد أخبرنا بهم فنحن نؤمن بوجودهم . . وإذا أخبرنا الحق سبحانه وتعالى عن اليوم الآخر . . فمادام الله قد أخبرنا فنحن نؤمن باليوم الآخر . . لأن الذي أخبرنا به هو الله جل جلاله . . آمنت به أنه اله . . واستخدمت في هذا الايمان الدليل العقلي الذي جعلني أؤمن بأن لهذا الكون إلهاً وخالقاً . . وما يأتيني عن الله حيثية الايمان به أن الله سبحانه وتعالى هو القائل .
ولابد أن نعرف أن وجود الشيء مختلف تماما عن ادراك هذا الشيء . . فأنت لك روح في جسدك تهبك الحياة . . أرأيتها؟ . . أسمعتها؟ . . أذقتها؟ . . أشممتها؟ . . ألمستها؟ . . الجواب طبعا لا . . فبأي وسيلة من وسائل الادراك تدرك أن لك روحا في جسدك؟ بأثرها في إحياء الجسد . .
إذن فقد عرفت الروح بأثرها ، والروح مخلوق لله . . فكيف تريد وأنت عاجز أن تدرك مخلوقا في جسدك وذاتك وهو الروح بآثارها . . ان تدرك الله سبحانه وتعالى بحواسك .
ونحن إذا آمنا بالقمة الغيبية وهو الله جل جلاله . . فلابد أن نؤمن بكل ما يخبرنا عنه وإن لم نَرَه . . ولقد أراد الله تبارك وتعالى رحمة بعقولنا أن يقرب لنا قضية الغيب فأعطانا من الكون المادي أدلة على أن وجود الشيء ، وادراك هذا الوجود شيئان منفصلان تماما . .
فالجراثيم مثلا موجودة في الكون تؤدي مهمتها منذ بداية الخلق . . وكان الناس يشاهدون آثار الأمراض في أجسادهم من ارتفاع في الحرارة وحمى وغير ذلك وهم لا يعرفون السبب . . فلما ارتقى العلم وأذن الله لخلقه أن يروا هذا الوجود للجراثيم . . جعل الله العقول قادرة على أن تكتشف المجهر . . الذي يعطينا الصورة مكبرة . . لأن العين قدرتها البصرية أقل من أن تدرك هذه المخلوقات الدقيقة . . فلما اكتشف العلم المجهر . . استطعنا أن نرى هذا الجراثيم . . ونعرف أن لها دورة حياة وتكاثر إلى غير ما يكشفه الله لنا من علم كما تقدم الزمن . .
إن عدم قدرتنا على رؤية أي شيء لا يعني أنه غير موجود .
(1/52)

. ولكن آلة الإدراك وهي البصر عاجزة عن أن تراه ، لأنه غاية في الصغر . . فاذا جئت بالمجهر كبر لك هذا الميكروب ليدخل في نطاق وسيلة رؤيتك وهي العين . . ورؤيتنا للجراثيم والميكروبات ليست دليلا على أنها خلقت ساعة رأيناها . . بل هي موجودة تؤدي مهمتها . . سواء رأيناها أو لم نرها .
فلو حدثنا أحد عن الميكروبات والجراثيم قبل أن نراها رؤية العين . . هل كنا نصدق؟ . . والله سبحانه وتعالى ترك بعض خلقه غير مدرك في زمنه لبعض حقائق الكون ليرتقي الانسان ويدرك بعد ذلك . . وكان المفروض أنه يزداد ايمانا . . عندما يدرك وليعرف الخلق بالدليل المادي أن ما هو غيب عنهم موجود وان كنا لا نراه . .
والله تبارك وتعالى قد أعطانا من آياته في الكون ما يجعلنا ندرك أن لهذا الكون خالقا . . فالشمس والقمر والنجوم والأرض والانسان والحيوان والجماد لا يستطيع أحد أن يدعي انه خلقهم . . ولا أحد يمكن أن يدعي أنه خلق نفسه أو غيره . . ولا يمكن لهذا الكون بهذا النظام الدقيق أن يوجد مصادفة؛ لأن المصادفات أحداث غير مرتبة أو غير منظمة . . ولو وجد هذا الكون بالصدفة لتصادمت الشمس والقمر والنجوم والأرض ولاختل الليل والنهار . .
ولكن كل ما في الكون من آيات يؤكد لنا أن هناك قوة هائلة هي التي خلقت ونظمت وأبدعت . . فإذا جاءنا رسول يبلغنا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذا الكون فلابد أن نصدقه .
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى : { وَيُقِيمُونَ الصلاة } . . والصلاة هي إدامة ولاء العبودية للحق تبارك وتعالى وهي لا تسقط عن الانسان أبدا . . فالانسان يصلي وهو واقف ، فإن لم يستطع يصلي وهو جالس . فإن لم يستطع ، فيصلي وهو راقد . . ولا تسقط الصلاة عن الانسان من ساعة التكليف إلى ساعة الوفاة كل يوم خمس مرات . .
ويقول الحق تبارك وتعالى : { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } . . وحين نتكلم عن الرزق يظن كثير من الناس أن الرزق هو المال . . نقول له لا . . الرزق هو ما ينتفع به فالقوة رزق ، والعلم رزق ، والحكمة رزق ، والتواضع رزق . . وكل ما فيه حركة للحياة رزق . . فإن لم يكن عندك مال لتنفق منه فعندك عافية تعمل بها لتحصل على المال . . وتتصدق بها على العاجز والمريض . . وان كان عندك حلم . . فإنك تنفقه بأن تقي الأحمق من تصرفات قد تؤذي المجتمع وتؤذيك . . وان كان عندك علم انفقه لتعلم الجاهل . . وهكذا نرى : { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } تستوعب جميع حركة الحياة .
(1/53)

الأقسام:
Ahmed shahata

سوق الطبيقات 3

مدونة عربيه تهتم بالتقنيه وشروحات السيو، انشائها المبرمج نورالدين العرشاني مصمم مواقع ويب بلغه html ، مدونتنا تقوم بتعديل القوالب وتصميمها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق